كانت تحبني كما أحبها

شممتُ رائحة شجرة اللوز الهرمة حينما مررتُ من ذلكَ الشارع القديم كان مكانها مُمهدا تمامًا بلا أثر يحمل لها نفحًا طيبا كالذي في روحي , حافظة أسراري التي لم أبحْ صامتةً لغيرها بها,اجتُثت من جذورها لامتدادها تحت فناء البيت فمادَت بهِ وتعدّته إلى البيت نفسه فهددت بتهدمه وماكان من سبيل إلا اقتلاعها دونَما التفات إلى وفائها فوَقعت ميتة مع كثيرٍ من كثيرٍ مني ,حزنتُ على فراقها كثيرا ,وماعادت تلكَ الزاوية من الفناءتعنيني , أصبحَ الريحان البديل لها طوقا يخنقني بذكرى مجالستها إذا فاحت بهِ الريح إلي ,كانت تحميني إن أردتُ الاختباء في ظلمة الليل بجسدي الصغير خلف ساقها في صغري ,وفي الصباح تحملني على أكتافها النحيلة شرط أن لا أطيل البقاء بينها ولا أثقل على غصن دون الآخر ,فكنت أوزع أجزائي في كل اتجاه حتى أبقى معلّقة مخبأة عمّن يبحث عني , لطالما احتواني ظلها الوارف إن اعتراني البكاء أتكئ على ساقها الراسخة فتلفني برائحتها و رقتها ,تتسل أشعة الشمس من بين الثغرات الرفيعة لأوراقها العريضة رابتةً على كتفي ورأسي ,فأتنهد وتختفي رغبتي بالبكاء ,وإن سقطَت أوراقها في مجالستي تتهادى على الأثير ببطء حتى تحط بسكينة وبلا نزاع على التربة فتلهمني الصبر , لم أظنني سأكبر يوما بدون أن تزداد هرما معي , كبرْتُ وشاخَ المنزل بعدها كثيرا تأملتُ أطلالها المستوية المبلطة فما كانَ جميلا بها أًصبحَ باهتا مشروخة جدرانه من غيرها ,شعرتُ بحاجة ملّحة للبكاء ولم تكُ هناكَ لتضمني ,اختنقتُ بغصةٍ طويلة ما زالت تتصاعد وتدنو حتى ابتعدتُ أخيرا عن رفاتها الذي ترائى لخيالي وأنا أردد: "أين أنتِ؟" .