بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى ..
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
قبل التطرق لتفسيرها نذكر أولا سبب نزولها...
أولا : سبب النزول
ذكر الفقهاء عدة أسباب لنزول هذه الاية منها:
*-عن ابن عباس «أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قَتلوا وأَكثروا، وزنَوا وأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرُنا أَن لما عملنا كفارة فأنزل الله عز وجل هذه الآية : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على انفسهم" صحيح البخاري.
*- وعن ابن عباس أيضا نزلت في أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له , وكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله إلها آخر وقتلنا النفس التي حرم الله فأنزل الله هذه الآية .
*- وقيل : إنها نزلت في قوم من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في العبادة , وخافوا ألا يتقبل منهم لذنوب سبقت لهم في الجاهلية .
قال الفقيه ابن عاشور: وقد رويت أحاديث عدة في سبب نزول هذه الآية غير حديث البخاري وهي بين ضعيف ومجهول ويستخلص من مجموعها أنها جزئيات لعموم الآية وأن الآية عامة لخطاب جميع المشركين .
ثانيا: تفسير الاية
*- ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ):
أي أخبر يا محمد عبادي المؤمنين الذينأفرطوا في الجناية على أنفسهم بالمعاصي والآثام والغلو فيها..
يقول الشيخ النابلسي : إسراف تنوُّع أو إسراف شدَّة ، إما أنه ارتكب معصيةً كبيرةً جداً ، أو أنه ارتكب كل أنواع المعاصي ، كلاهما إسراف ..
وقوله تعالى : " يا عبادي" فيه من الدلالة على الذلة و الاختصاص،المقتضييْن للترحُّم
*- لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ:
لا تقنطوا : نهي إلهي.... أي لا تيأسوا من مغفرة الله
أولا و تفضله بالرحمة ثانيا.
*- "إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا" أي إنه تعالى يعفو عن جميع الذنوب لمن شاء، وإِن كانت مثل زبد البحر.
*-"إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" أي عظيم المغفرة واسع الرحمة.
الغفورُ : يستر عظام الذنوب .الرحيم :يكشف فظائع الكروب.
فليس هناك ذنب أكبر من رحمة الله ...ولا ذنب أكبر من مغفرة الله فرحمة الله تسع كل الذنوب...
المستفاد من الاية:
هذه الاية الكريمة ترفع معنويات المومنين , فالمومن لا يقنط من رحمة الله .. فما منا الا و يقع
في المعاصي ،تزل قدمه ، ينحرف نحو مخالفةٍ ، عليه الا يقعده اليأس
قال تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ )
الكا فرون هم الذين يقنطون من رحمة الله
قال تعالى :"إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"
فكل إنسان مقصِّر .. وكل مقصر بإمكانه أن يتلافى قصوره .
لكن لا ينبغي أن نفهم هذه الآية ومثلها من آيات المغفرة والرجاء فهماً خاطئا، بأن يعتقد المرء أن الله تعالى عندما يقول:
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"
إذاً هو لا يقنط ، لكنه مقيمٌ على معصيةٍ ويرجو الله عزَّ وجل ، هذا المعنى غير صحيح و ما أراده الله عزَّ وجل
يقول تعالى" فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا "
ربنا جلَّ جلاله .. ربط الرجاء بالعمل ، إذا كنت راجياً فعلاً بادر إلى العمل ، بادر إلى التوبة
بادر إلى
الاستقامة ، بادر إلى العمل الصالح ،
توبتك ، واستقامتك ، وعملك الصالح يحقِّق رجاءك ، أما إذا رجوت الله عزَّ وجل وأنت على ما
أنت عليه من مخالفات ، ومن تقصيرات ، ومن تجاوزات فهذا رجاء البُلْه ، رجاء الحمقى
علامة رجائك مبادرتك إلى العمل ، إلى الطاعة ، إلى البذل ، إلى التوبة مما سلف منك من معاصي ، إلى الائتمار بأمر الله عزَّ وجل، إلى التقرُّب إليه ببذل الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، لا تقل: أنا أرجو الله ، وأنت على ما أنت عليه ، هذا ليس رجاء بل
هو تمنِّيات
يقول تعالى :"لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ"
,,,
قال تعالى .. ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )
إذا كنت ترجو الله حقَّاً تتحرَّك ، بادر ، اقلع عن ذنبٍ ، بادر إلى عملٍ صالح ، التزم طاعة الله عزَّ وجل .
فإذا قلنا : إن هذه الآية أرجى آيةٍ في القرآن الكريم أي أن
((هذا الرجاء يتبعه العمل. ))
ووفقنا الله تعالى إلى طاعته و العمل بمرضاته وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم آمين ..
,,,
:: منقول << أحببت أن أستفيد وأفيدكم معي