النية في النكاح:
عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) [متفق عليه].
وبالنية الصالحة التي يبتغى بها وجه اللَّه، تتحول العادة إلى عبادة. فالناس عندما يتزوجون منهم من يسعى للغنى والثراء، ومنهم من يسعى لتحصين نفسه، فالنية أمر مهم في كل ذلك.
فإذا أقبل المسلم على الزواج، فعليه أن يضع في اعتباره أنه مقدم على تكوين بيت مسلم جديد، وإنشاء أسرة؛ ليخرج للعالم الإسلامي رجالا ونساءً أكفاءً، وليعلم أن في الزواج صلاحًا لدينه ودنياه، كما أن فيه إحصانًا له وإعفافًا.
الزواج نصف الدين:
الزواج يحصن الرجل والمرأة، فيوجهان طاقاتهما إلى الميدان الصحيح؛ لخدمة الدين؛ وتعمير الأرض، وعلى كل منهما أن يدرك دوره الخطير والكبير في إصلاح شريك حياته وتمسكه بدينه، وأن يكون له دور إيجابي في دعوته إلى الخير، ودفعه إلى الطاعات، ومساعدته عليها، وأن يهيِّئ له الجو المناسب للتقرب إلى اللَّه، ولا يكون فتنة له في دينه، ولا يلهيه عن مسارعته في عمل الخيرات، فالزوجة الصالحة نصف دين زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: (من رزقه اللَّه امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتَّق اللَّه في الشطر الباقي) [الحاكم].
الحُبُّ والزواج:
تنمو عاطفة الحب الحقيقي بين الزوجين حينما تحسن العشرة بينهما، وقد نبتت بذوره قبل ذلك أثناء مرحلة الخطبة، وقد نمت المودة والرحمة بينهما وهما ينميان هذا الحب، ويزكيان مشاعر الألفة، وليس صحيحًا قول من قال: إن الزواج يقتل الحب ويميت العواطف. بل إن الزواج المتكافئ الصحيح الذي بني على التفاهم والتعاون والمودة، هو الوسيلة الحيوية والطريق الطيب الطاهر للحفاظ على المشاعر النبيلة بين الرجل والمرأة، حتى قيل فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح) [ابن ماجه، والحاكم].
والزواج ليس وسيلة إلى الامتزاج البدني الحسي بين الرجل والمرأة فحسب، بل هو الطريق الطبيعي لأصحاب الفطر السليمة إلى الامتزاج العاطفي والإشباع النفسي والتكامل الشعوري، حتى لكأن كل من الزوجين لباسًا للآخر، يستره ويحميه ويدفئه، قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187].
وتبادل مشاعر الحب بين الزوجين يقوِّي رابطتهما، فالحب أمر فطر الله الناس عليه، وهو رباط قوي بين الرجل وزوجته، فهو السلاح الذي يشقان به طريقهما في الحياة، وهو الذي يساعدهما على تحمُّل مشاقَّ الحياة ومتاعبها.
ولقد اهتمَّ الإسلام بعلاقة الرجل والمرأة قبل الزواج وبعده وكان حريصًا على أن يجعل بينهما حدًّا معقولاً من التعارف، يهيئ الفرصة المناسبة لإيجاد نوع من المودة، تنمو مع الأيام بعد الزواج، فأباح للخاطب أن يرى مخطوبته ليكون ذلك سببًا في إدامة المودة بينهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يخطب امرأة: (انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) [الترمذي والنسائى
وابن ماجه].
ومع ذلك كان حريصًا على وضع الضوابط الشرعية الواضحة الصريحة؛ لتظل علاقة خير وبركة.. وشدَّد في النهي عن كل ما يهوى بهذه العلاقة إلى الحضيض، ونهي عن كل ما يقرب من الفاحشة والفجور؛ فمنع الاختلاط الفاسد والخلوة، وغير ذلك.
ونتيجة للغزو الفكري للمجتمعات الإسلامية؛ بدأت تنتشر العلاقات غير الشرعية بين الشباب والفتيات قبل الزواج، تحت شعارات كاذبة مضللة، وبدعوى الحب والتعارف، وأن هذا هو الطريق الصحيح للزواج الناجح، وهذا الأمر باطل. ومن دقق النَّظر فيما يحدث حولنا يجد أن خسائر هذه العلاقات فادحة، وعواقبها وخيمة، وكم من الزيجات فشلت؛ لأنها بدأتْ بمثل هذه العلاقات، وكم من الأسر تحطمت؛ لأنها نشأت في ظلال الغواية واتباع الهوى.
تأخُّر سِنِّ الزواج:
بدأتْ ظاهرة تأخُّر سن الزواج تنتشر في بعض البلاد الإسلامية، فارتفع متوسط سن الزواج لدى الشباب، وارتفع متوسط سنِّ زواج الفتيات بشكل غير طبيعي.
ومن المعروف أن الوصول إلى السن الذي يكتمل فيه بلوغ الشباب والفتيات نفسيًّا وعقليًّا وبدنيًّا، يجعلهم أكثر قدرة على تحمل واجبات الزواج، ولكنَّ تأخر الزواج إلى مثل هذه السن يعطِّل الطاقات، وينجرف بها إلى طريق غير صحيح، وربما ساعد على انتشار الفاحشة، كما أن التأخر في الزواج يرهق الشباب والفتيات من أجل حفظ أعراضهم، وردع النفس عن اتباع الهوى.
ويرجع تأخُّر سن الزواج إلى أسباب عديدة، منها ما هو مادي، ومنها ما هو اجتماعي، ومن هذه الأسباب:
- رغبة الفتاة في الزواج من رجل غني، فترفض هي أو وليها كل خاطب فقير أو متوسط الحال، لأنها تحلم بأن تمتلك بيتًا، أو تركب سيارة فارهة، أو تلبس الأزياء الراقية.
- المغالاة في المهر المعجل منه والمؤجل.
- إرهاق الزوج باشتراط فخامة الأثاث وغيره.
- تنازل الزوج عن كل ما جمعه في بيت الزوجية، فالوليُّ يكتبُ قائمة بمحتويات المنزل الذي أعده الزوج؛ ليوقع بالتنازل عنه، فإذا ترك زوجته، ترك المنزل بما فيه، وخرج بمفرده. مع ملاحظة أنه يتنازل عن أثاث البيت بموجب توقيعه على القائمة في مقابل المهر الذي لم يدفعه لها قبل الزواج.
- فقر الشباب، فهناك الكثير من الشباب الذي لا يمتلك مالا، ولا وظيفة، ولا ميراثًا، ولا غير ذلك من مصادر الدخل، فينتظر حتى تتهيأ له سُبُل الزواج.
- انتشار الاعتقاد بضرورة إتمام الفتاة أو الفتى مراحل التعليم؛ فلا يتزوج أحدهما حتى يتم المرحلة الجامعية، وقد يؤخر البعض التفكير في الزواج حتى يحصل على درجة الماجستير أو الدكتوراه.
- ظروف الدولة الاقتصادية، ومدى توفيرها لفرص العمل، فإذا انتشرتْ البطالة في الدولة أحجم الشباب عن الزواج؛ لعجزهم عن الوفاء بتكاليفه.
- انتشار الرذيلة والفساد؛ حيث يلجأ بعض الشباب في المجتمعات الفاسدة إلى تصريف شهواتهم بطريق غير مشروع، ويترتب على هذا زهدهم في الزواج؛ نتيجة لفهمهم الخاطئ لأهداف الزواج السامية.
خامسا قصص الانبياء بالكامل
آدم (عليه السلام)
أخبر الله -عز وجل- ملائكته بخلق آدم -عليه السلام- فقال تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} _[البقرة: 30] فسألت الملائكة الله -عز وجل- واستفسرت عن حكمة خلق بني الإنسان، وقد علمت الملائكة أن من الخلق من يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فإن كانت الحكمة من خلقهم هي عبادة الله، فهم يعبدونه، فقالوا لله: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فأجابهم الله -عز وجل- عن استفسارهم بأنه -سبحانه- يعلم الحكمة التي تخفى عليهم، فإنه -سبحانه- سيخلق بني البشر ويجعل فيهم الرسل والأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء، والعلماء والعاملين لدين الله، والمحبين له، المتبعين رسله، قال تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30].
وخلق الله -سبحانه- آدم من تراب الأرض ومائها، ثم صوَّره في أحسن صورة
ثم نفخ فيه الروح، فإذا هو إنسان حي من لحم ودم وعظم، وكان ذلك يوم الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)_[متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزْن (الصعب)، والخبيث والطيب) [الترمذي].
ولما صار آدم حيًّا، ودبَّت فيه الحركة علمه الله -سبحانه- أسماء كل شيء ومسمياته وطرائق استعماله والتعامل معه من الملائكة والطيور والحيوانات
وغير ذلك، قال تعالى: {وعلَّم آدم الأسماء كلها} [البقرة:31] وأراد الله
-عز وجل- أن يبين للملائكة الكرام فضل آدم ومكانته عنده، فعرض جميع الأشياء التي علمها لآدم على الملائكة، وقال لهم: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة:31] فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } [البقرة:32].
فأمر الله آدم أن يخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجزوا عن إدراكها، فأخذ آدم يذكر اسم كل شيء يعرض عليه، وعند ذلك قال الله -تعالى- للملائكة:
{ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33].
ودار حوار بين آدم -عليه السلام- والملائكة حكاه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خلق الله آدم -عليه السلام- طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فَسَلِّم على أولئك -نفر من الملائكة- فاستمع ما يحيونك، فإنها تحية ذُرِّيتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله..."_[متفق عليه].
وأمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم تشريفاً وتعظيماً له فسجدوا جميعًا، ولكن إبليس رفض أن يسجد، وتكبر على أمر ربه، فسأله
الله -عز وجل- وهو أعلم: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} [ص:75] فَرَدَّ إبليس في غرور: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص: 76] فطرده الله -عز وجل- من رحمته وجعله طريدًا ملعونًا، قال تعالى: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} _[ص: 77-78].
فازداد إبليس كراهية لآدم وذريته، وحلف بالله أن يزين لهم الشر، فقال إبليس: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلَصين} [ص: 82-83] فقال الله -تعالى- له: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص:85] وذات يوم نام آدم -عليه السلام-، فلما استيقظ وجد امرأة تجلس إلى جانبه فسألها: من أنتِ؟ قالت: امرأة، قال: ولِمَ خُلِقْتِ؟ قالت: لتسكن إليَّ، ففرح بها آدم وأطلق عليها اسم حواء؛ لأنها خلقت من شيء حي، وهو ضلع
آدم الأيسر.
وأمر الله -سبحانه- آدم وزوجته حواء أن يسكنا الجنة، ويأكلا من ثمارها ويبتعدا عن شجرة معينة، فلا يأكلان منها؛ امتحانًا واختبارًا لهما، فقال تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة:35] وحذَّر الله -سبحانه- آدم وزوجه تحذيرًا شديدًا من إبليس وعداوته لهما، فقال تعالى: {يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} طه:[117-119].
وأخذ إبليس يفكر في إغواء آدم وحواء، فوضع خطته الشيطانية؛ ليخدعهما فذهب إليهما، وقال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى}
[طه:120] فَصَدَّق آدم وحواء كلام إبليس بعد أن أقسم لهما، ظنًّا منهما أنه لا يمكن لأحد أن يحلف بالله كذبًا، وذهب آدم وحواء إلى الشجرة وأكلا
منها.. وعندئذ حدثت المفاجأة؟!!
لقد فوجئ آدم وحواء بشيء عجيب وغريب، لقد أصبحا عريانين؛ بسبب عصيانهما، وأصابهما الخجل والحزن الشديد من حالهما، فأخذا يجريان نحو الأشجار، وأخذ يقطعان من أوراقها ويستران بها جسديهما، فخاطب الله
-عز وجل- آدم وحواء معاتبًا: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف: 22] فندم آدم وحواء ندمًا شديدًا على معصية الله ومخالفة أمره وتوجها إليه -سبحانه- بالتوبة والاستغفار، فقالا:
{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
[الأعراف: 32] وبعد الندم والاستغفار، قبل الله توبتهما ودعاءهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والعيش عليها.
وعاش آدم وحواء على الأرض، وبدءا مسيرة الحياة عليها.. ووُلد لآدم وهو على الأرض أولاد كثيرون، فكان يؤدبهم ويربيهم، ويرشدهم إلى أن الحياة على الأرض امتحان للإنسان وابتلاء له، وأن عليهم أن يتمسكوا بهدى الله، وأن يحذروا من الشيطان ومن وساوسه الضَّارة.
قصة ابني آدم:
وحكى لنا القرآن الكريم قصة ابني آدم حينما تقدم كل منهما بقربان إلى
الله -سبحانه- فتقبَّل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فما كان من
هذا الابن الذي لم يتقبل الله قربانه إلا أن حسد أخاه وحقد عليه وقتله ظلمًا وعدوانًا، قال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين . إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}
[المائدة: 27-30].
ولما قَتَلَ ابن آدم أخاه لم يعرف كيف يواري جثمانه، فأرسل الله إليه غرابًا يحفر في الأرض؛ فعرف ابن آدم كيف يدفن أخاه، فدفنه وهو حزين أشد الحزن لأنه لم يعرف كيف يدفن جثة أخيه، قال الله تعالى: {فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين}_[المائدة: 31] وظل آدم يعيش وسط أبنائه يدعوهم إلى الله، ويعرِّفهم طريق الحق والإيمان، ويحذِّرهم من الشرك والطغيان وطاعة الشيطان، إلى أن لقى ربه وتوفي بعد أن أتم رسالته، وترك ذريته يعمرون الأرض ويخلفونه فيها.
وعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في رحلة المعراج
مَرَّ بآدم -عليه السلام- في السماء الأولى، وقيل له: هذا أبوك آدم فسلِّمْ
عليه، فسلم عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وردَّ آدم -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- السلام، وقال: (مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح)_[متفق عليه].
ويخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يوم القيامة يذهبون إلى
آدم -عليه السلام- فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ ولكن آدم -عليه السلام- يتذكر أكله من الشجرة فيستحي من الله، ويطلب من الناس أن يذهبوا إلى غيره من الأنبياء. [البخاري].
سادسا الحضاره الإسـلاميه
أنواع الحضارة الإسلامية
مفهوم الحضارة:
الحضارة هي الجهد الذي يُقدَّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي التقدم في المدنية والثقافة معًا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالى يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيرًا سليمًا، أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها.. وقد سميت بالمدنيَّة؛ لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون من حوله، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان.
ولابد للإنسان من الثقافة والمدنية معًا؛ لكي يستقيم فكر الأفراد وسلوكياتهم، وتتحسن حياتهم، لذلك فإن الدولة التي تهتم بالتقدم المادي على حساب التقدم في مجال القيم والأخلاق، دولة مدنيَّة، وليست متحضرة؛ ومن هنا فإن تقدم الدول الغربية في العصر الحديث يعد مدنية وليس حضارة؛ لأن الغرب اهتم بالتقدم المادي على حساب القيم والمبادئ والأخلاق، أما الإسلام الذي كرَّم الإنسان وأعلى من شأنه، فقد جاء بحضارة سامية، تسهم في تيسير حياة الإنسان.
مفهوم الحضارة الإسلامية:
الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان.
أهمية الحضارة الإسلامية:
الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح صلح المجتمع كله، وأصبح قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالمين، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تُصْلِح هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده.
وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير؛ لتعمير هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته، وقد كان آباؤنا على قدر المسئولية، فحملوا هذه الحضارة، وانطلقوا بها يعلِّمون العالم كله ويوجهونه.
أنواع الحضارة الإسلامية:
وللحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع:
1- حضارة التاريخ (حضارة الدول):
وهي الحضارة التي قدمتها دولة من الدول الإسلامية لرفع شأن الإنسان وخدمته، وعند الحديث عن حضارة الدول ينبغى أن نتحدث عن تاريخ الدولة التي قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل: الزراعة، والصناعة، والتعليم، وعلاقة هذه الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في هذا الميدان.
2-الحضارة الإسلامية الأصيلة:
وهي الحضارة التي جاء بها الإسلام لخدمة البشرية كلها، وتشمل ما جاء به الإسلام من تعاليم في مجال: العقيدة، والسياسة، والاقتصاد، والقضاء، والتربية، وغير ذلك من أمور الحياة التي تسعد الإنسان وتيسر أموره.
3- الحضارة المقتبسة:
وتسمى حضارة البعث والإحياء، وهذه الحضارة كانت خدمة من المسلمين للبشرية كلها، فقد كانت هناك حضارات وعلوم ماتت، فأحياها المسلمون وطوروها، وصبغوها بالجانب الأخلاقي الذي استمدوه من الإسلام، وقد جعل هذا الأمر كُتاب العالم الغربى يقولون: إن الحضارة الإسلامية مقتبسة من الحضارات القديمة، وهما حضارتا اليونان والرومان، وأن العقلية العربية قدْ بدَّلت الصورة الظاهرة لكل هذه الحضارات وركبتها في أسلوب جديد، مما جعلها تظهر بصورة مستقلة.
وهذه فكرة خاطئة لا أساس لها من الصحة، فالحضارة الإسلامية في ذاتها وجوهرها إسلامية خالصة، وهي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافًا كبيرًا، إنها حضارة قائمة بذاتها، لأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف تحقيق الغاية الإسلامية، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه، لا مجرد تحقيق التقدم المادي، ولو كان ذلك على حساب الإنسان والدين كما هو الحال في حضارات أخرى، مع الحرص على التقدم المادي؛ لما فيه من مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني كله.
أما ما استفادته من الحضارات الأخرى فقد كان ميزة تحسب لها لا عليها، إذ تعنى تفتح العقل المسلم واستعداده لتقبُّل ما لدى الآخرين، ولكن وضعه فيما يتناسب والنظام الإسلامي الخاص بشكل متكامل، ولا ينقص من الحضارة الإسلامية استفادتها من الحضارات السابقة، فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات الأخرى
سابعا السيـــرة النبوية
أحوال العرب قبل الإسلام
كان العرب في شبه الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يعبدون الأصنام من دون الله، ويقدمون لها القرابين، ويسجدون لها، ويتوسلون بها، وهي أحجار لا تضر ولا تنفع، وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا.
ومن عجيب أمرهم أن أحدهم كان يشتري العجوة، ويصنع منها صنمًا، ثم يعبده ويسجد له، ويسأله أن يحجب عنه الشر ويجلب له الخير، فإذا شعر بالجوع أكل إلهه!! ثم يأخذ كأسًا من الخمر، يشربها حتى يفقد وعيه، وفي ذلك الزمان كانت تحدث أشياء غريبة وعجيبة، فالناس يطوفون عرايا حول الكعبة، وقد تجردوا من ملابسهم بلا حياء، يصفقون ويصفرون ويصيحون بلا نظام، وقد وصف الله -عز وجل- صلاتهم فقال: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} [الأنفال:35].
وكانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، وتستمر مشتعلة أعوامًا طويلة فهذان رجلان يقتتلان، فيجتمع الناس حولهما، وتناصر كل قبيلة صاحبها، لم يسألوا عن الظالم ولا عن المظلوم، وتقوم الحرب في لمح البصر، ولا تنتهي حتى يموت الرجال، وانتشرت بينهم العادات السيئة مثل: شرب الخمر، وقطع
الطرق والزنا.
وكانت بعض القبائل تهين المرأة، وينظرون إليها باحتقار، فهي في اعتقادهم عار كبير عليهم أن يتخلصوا منها، فكان الرجل منهم إذا ولدت له أنثى؛ حزن حزنًا شديدًا. قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه علي هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} _[النحل: 58-59] وقد يصل به الأمر إلى أن يدفنها وهي حية، وهي العادة التي عرفت عندهم بوأد البنات.
فهذا رجل يحمل طفلته ويسير بها إلى الصحراء فوق الرمال المحرقة، ويحفر حفرة ثم يضع ابنته فيها وهي حية، ولا تستطيع الطفلة البريئة أن تدافع عن نفسها؛ بل تناديه: أبتاه .. أبتاه .. فلا يرحم براءتها ولا ضعفها، ولا يستجيب لندائها.. بل يهيل عليها الرمال، ثم يمشي رافعًا رأسه كأنه لم يفعل شيئًا!! قال تعالى: {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} [التكوير: 7-8] وليس هذا الأمر عامًا بين العرب، فقد كانت بعض القبائل تمنع وأد البنات.
وكان الظلم ينتشر في المجتمع؛ فالقوى لا يرحم الضعيف، والغني لا يعطف على الفقير، بل يُسخره لخدمته، وإن أقرضه مالا؛ فإنه يقرضه بالربا، فإذا اقترض الفقير دينارًا؛ يرده دينارين، فيزداد فقرًا، ويزداد الغني ثراء، وكانت القبائل متفرقة، لكل قبيلة رئيس، وهم لا يخضعون لقانون منظم، ومع كل هذا الجهل والظلام في ذلك العصر المسمى بالعصر الجاهلي، كانت هناك بعض الصفات الطيبة
والنبيلة؛ كإكرام الضيف، فإذا جاء ضيف على أحدهم بذل له كل ما عنده، ولم يبخل عليه بشىء، فها هو ذا حاتم الطائي لم يجد ما يطعم به ضيوفه؛ فذبح
فرسه -وقد كانوا يأكلون لحم الخيل- وأطعمهم قبل أن يأكل هو.
وكانوا ينصرون المستغيث فإذا نادى إنسان، وقال: إني مظلوم اجتمعوا حوله وردوا إليه حقه، وقد حدث ذات مرة أن جاء رجل يستغيث، وينادي بأعلى صوته في زعماء قريش أن ينصروه على العاص بن وائل الذي اشترى منه بضاعته، ورفض أن يعطيه ثمنها؛ فتجمع زعماء قريش في دار عبدالله بن جدعان وتحالفوا على أن ينصروا المظلوم، ويأخذوا حقه من الظالم، وسموا ذلك الاتفاق حلف الفضول، وذهبوا إلى العاص بن وائل، وأخذوا منه ثمن البضاعة، وأعطوه لصاحبه.
وفي هذا المجتمع ولد محمد صلى الله عليه وسلم من أسرة كريمة المعدن، نبيلة النسب، جمعت ما في العرب من فضائل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم].
ثامناالصـــــــحابة
خليفة رسول الله أبو بكر الصديق
إنه الصديق أبو بكر -رضي الله عنه-، كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة بن عثمان بن عامر فسماه رسول الله ( عبد الله، فهو عبد الله بن أبي قحافة، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر.
ولد في مكة بعد ميلاد النبي ( بسنتين ونصف، وكان رجلاً شريفًا عالمًا بأنساب قريش، وكان تاجرًا يتعامل مع الناس بالحسنى.
وكان أبو بكر صديقًا حميمًا لرسول الله (، وبمجرد أن دعاه الرسول ( للإسلام أسرع بالدخول فيه، واعتنقه؛ لأنه يعلم مدى صدق النبي ( وأمانته، يقول النبي (:"ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر
ما عكم (ما تردد) عنه حين ذكرته ولا تردد فيه"[ابن هشام].
وجاهد أبو بكر مع النبي ( فاستحق بذلك ثناء الرسول ( عليه إذ يقول: "لو كنت متخذًا خليلا؛ لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي" [البخاري].
ويسرع كبار المسلمين إلى السقيفة، ينظرون فيمن يتولى أمرهم بعد رسول الله (، وبايع المسلمون أبا بكر بالخلافة بعد أن اقتنع كل المهاجرين والأنصار بأن أبا بكر هو أجدر الناس بالخلافة بعد رسول الله (، ولم لا؟ وقد ولاه الرسول ( أمر المسلمين في دينهم عندما مرض وثقل عليه المرض، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" [متفق عليه].
وبعد أن تولى أبو بكر الخلافة، وقف خطيبًا في الناس، فقال:
"أيها الناس إن قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أريح (أزيل) علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، ولا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة؛ إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله؛ فلا طاعة لي عليكم.
وقد قاتل أبو بكر -رضي الله عنه- المرتدين ومانعي الزكاة، وقال فيهم: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله ( لقاتلتهم عليه. وكان يوصي الجيوش ألا يقتلوا الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير، ولا النساء، ولا العابد في صومعة، ولا يحرقوا زرعًا ولا يقلعوا شجرًا.
وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بن زيد؛ ليقاتل الروم، وكان الرسول ( قد اختار أسامة قائدًا على الجيش رغم صغر سنه، وحينما لقى النبي ( ربه صمم أبو بكر على أن يسير الجيش كما أمر الرسول (، وخرج بنفسه يودع الجيش، وكان يسير على الأرض وبجواره أسامة يركب الفرس، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب أو أنزل. فقال: والله لا أركبن ولا تنزلن، ومالي لا أغبِّر قدمي في سبيل الله. وأرسل -رضي الله عنه- الجيوش لفتح بلاد الشام والعراق حتى يدخل الناس في دين الله.
ومن أبرز أعماله-رضي الله عنه-أنه أمر بجمع القرآن الكريم وكتابته بعد استشهاد كثير من حفظته.
وتوفي أبو بكر ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وعمره (63) سنة وغسلته زوجته أسماء بنت عميس حسب وصيته، ودفن إلى جوار الرسول (.
وترك من الأولاد: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة وأسماء، وأم كلثوم
-رضي الله عنهم-. وروى عن رسول الله ( أكثر من مائة حديث
تاسعامعاملات إسلامية
الزواج سنة من سنن الأنبياء، وضرورة من ضروريات الحياة، به تصان الأعراض وتحفظ الحرمات، ويقضى الإنسان شهوته، وهو وسيلة لحفظ النسل وبقاء الجنس البشرى واستمرار الحياة. كما أنه يُسهم في تقوية أواصر المحبة والتعاون من خلال المصاهرة أو النسب، فتتسع دائرة الأقارب ، ومن هنا دعا الإسلام إلى الزواج ورغَّب فيه، قال تعالى:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}[الروم: 21]. وقال صلي الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء (وقاية) [متفق عليه].
والزواج واجبٌ على كل مسلم إن كان قادرًا على القيام بأعبائه، وكان ممن يخاف على نفسه الوقوع في الفاحشة، ومن كان لا يستطيع الزواج لعدم القدرة المادية فليكثر من الصيام فيحفظه ويقيه من الانحراف.
وإن كان لديه القدرة على أعباء الزواج، ولكنه لا يخاف على نفسه الوقوع في الفاحشة كان الزواج في حقه مستحبًا.
صفات المرأة المخطوبة:
1- ذات الدين: على المسلم إذا أراد الزواج أن يحسن اختيار الزوجة، فيختار صاحبة الدين، الصالحة، المطيعة؛ لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك) [متفق عليه]. وسئل النبي صلي الله عليه وسلم عن أي النساء خير للرجل؟ قال: (التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره ) [النسائي].
وقال أيضًا: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) [مسلم والنسائي وابن ماجة]. وهذا لا يمنع أن يختار الرجل من بين الصالحات الجميلة أو الغنية أو صاحبة الحسب، وإنما يكون الدين هو الميزان الأول والسابق لأي معيار آخر.
2- الولود: وللرجل كذلك أن يختار المرأة الولود، ويعرف ذلك بسلامة بدنها وبمقارنتها بأخواتها وعماتها وخالاتها، قال صلي الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) [أبو داود والنسائي].
3- البكر: كما يستحب أن تكون الزوجة بكرًا لقوله صلي الله عليه وسلم لجابر -رضى الله عنه-: (فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك) [متفق عليه].
4- أن تكون أجنبية: لأن ذلك أدعى للألفة والعشرة أكثر من القريبة، لما ذلك من فوائد، منها:
أ - الحفاظ على صلة الرحم وعدم قطعها، لأنه في الغالب ما تحدث خلافات بين الزوجين، فلا يفضي إلا إلى قطع الرحم.
ب- ليكون الولد أقوى؛ لأنه غالبًا ما يكون المولود من القريبة ضعيف الجسد. ولكن زواج الأقارب ليس فيه أية شبهة.
5- أن يكون بها نسبة من الجمال: لتسكن به نفسه، ويغض به بصره، ولتكمل المودة بين الزوجين؛ إن نظر إليها سرته. والجمال نسبي، يختلف من شخص لآخر.
وكما أن من حق الزوج أن يختار زوجته، فإن على الزوجة أن تختار لها صاحب الدين والخلق والقدرة على تحمل أعباء الزواج، الذي يصون عرضها ويحسن معاشرتها، قال صلي الله عليه وسلم: (إذا جاءكم مَنْ ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد) [الترمذي وابن ماجة].
الخطبة:
وهى طلبٌ للزواج ووعدٌ به في المستقبل، فيتقدم الرجل فيطلب من المرأة أو من ولىِّ أمرها أن تكون زوجة له، كما يجوز لولى أمر الفتاة أن يعرض على الرجل الذي يراه كفئًا للزواج، أن يتزوج من ابنته، فقد ورد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين مات زوج ابنته حفصة قال: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج. فقال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر. فصمت أبو بكر فلم يرجع إلىَّ شيئًا، وكنت أوجد (أغضب) عليه منى على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلي الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علىَّ حين عرضت علىَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: نعم. قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علىّ إلا أنى كنت علمت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشى سر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولو تركها رسول الله صلي الله عليه وسلم قبلتها) [البخاري والنسائي].
وقد أباح الإسلام لمن أراد الخطبة أن ينظر إلى مَنْ أراد خطبتها فينظر إلى وجهها وكفَّيْها، لأن ذلك أدعى لحصول الألفة والمودة بينهما، قال صلي الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) [أبو داود والترمذي وأحمد]. وقال صلي الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأة: أنظرت إليها؟ قال المغيرة: لا. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: (انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) [الترمذي وابن ماجة].
ويجوز للخاطب أن يرسل إلى المرأة التي يريد خطبتها امرأة يثق بها تنظر إليها ثم تعود إليه فتصفها له، فقد ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال: (انظري إلى عرقوبها (أسفل ساقيها مع القدم) وشُمِّى عوارضها (فمها) [أحمد والطبراني والبيهقي].
وكما يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة التي يريد خطبتها، فإنه يجوز للمرأة أيضًا أن تنظر إلى الرجل المتقدم لخطبتها، حتى تحصل الألفة بين كل منهما ، فيرتاح إلى الآخر.
ويجوز للخاطب والمخطوبة أن يجلسا معًا في وجود مَحْرَم، فإن لم يُوجد المحْرم فلا يحل لهما الجلوس معًا. قال صلي الله عليه وسلم: (لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محْرم) [متفق عليه].
ولا يحلّ لأحدهما إن جلسا معًا في وجود محْرم أن يلمس أحدهما الآخر، كما لا يجوز للمخطوبة أن تظهر لخطيبها شيئًا من جسدها، لأنها أجنبية عنه ، فالخطبة مجرد وعد بالزواج فقط ، والمخطوبة أجنبية عن خطيبها حتى يتم العقد.
وعلى الرجل أن يتخيَّر الأوقات التي يتقدم فيها لخطبة المرأة، فلا يتقدم لخطبة المطلقة وقت عدتها، أو من مات زوجها قبل انتهاء عدتها، ويجوز له التعريض بالخطبة لمن مات زوجها، أما التي طلَّقها زوجها طلاقًا رجعيّا فيحرم عليه التقدم للخطبة لا بالتعريض ولا بالتصريح؛ لأنها مازالت في عصمته ، وله الحق أن يراجعها، فإن كان الطلاق بائنًا جاز التعريض فقط عند جمهور الفقهاء؛ لأن العلاقة بينها وبين زوجها قد انتهت.
وإذا علم الرجل أن شخصًا ما سبق إلى خطبة هذه المرأة فلا يحل له أن يتقدم هو الآخر لخطبة المرأة نفسها إلا إذا علم بانتهاء الخطبة، فعندئذٍ يجوز له أن يتقدم، وقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له. [رواه الجماعة] ، إلا إذا كان الرجل قد تقدَّم ولم يردَّ عليه أهلها ، وإن خطبها على خطبة أخيه، صحَّت الخطبة ، وأثم لانتهاكه حقوق غيره.
وعلى الولي أن يسأل عن حال منْ تقدم لخطبة ابنته، فيسأل عنه بين أهله، أو في مكان عمله، أو بين أصدقائه.
ولابد من رضا المرأة وإذنها لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تُستأمر ، ولا البكر حتى تُستأذن). قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: (أن تسكت) [رواه الجماعة].
|